أسماء الحسيني (القاهرة - الخرطوم)

تصاعد الجدل في السودان والانتقادات الموجهة لفكرة المحاصصة الحزبية والجهوية لمناصب الفترة الانتقالية بالسودان، وذلك على ضوء التسريبات حول خلافات على المناصب في محادثات أديس أبابا بين قوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية، ومطالبات الأخيرة بحصة في مناصب الفترة الانتقالية، وتوجه قوى الحرية والتغيير لرفض المحاصصات خلال الفترة الانتقالية.
وفي هذه الأثناء، انطلقت دعوات عديدة للأحزاب والحركات المسلحة بضرورة الالتزام بتشكيل حكومة كفاءات وطنية تكون مؤهلة وقادرة على إدارة المرحلة الانتقالية.
وقال أحمد ربيع، القيادي البارز في تجمع المهنيين، إن قوى الحرية والتغيير تبدي الآن ملاحظاتها حول وثيقة الإعلان الدستوري التي ستحكم الفترة الانتقالية، تمهيداً للتفاوض حولها مع المجلس العسكري، وتسعى لاستصحاب رؤية الحركات المسلحة التي تتفاوض معها في أديس أبابا لتضمينها في الإعلان الدستوري.
وقال محمد زكريا، المتحدث باسم الجبهة الثورية، إن توافقاً تم بين أطراف قوى الحرية والتغيير المجتمعة في أديس أبابا حول 11 نقطة من إجمالي 12 نقطة شملتها رؤية الجبهة الثورية. وأضاف أن النقطة المتبقية تتعلق بإرجاء تشكيل هياكل الحكم الانتقالي إلى حين التوقيع على اتفاق السلام. وأوضح زكريا أن الأطراف تواصل مشاوراتها بشكل ثنائي من أجل الوصول إلى توافق فيما تبقى من قضايا.
ومن جانبه، صرح مالك عقار، رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال ورئيس الجبهة الثورية، بأن المشاورات التي تجري في أديس أبابا ليست للمحاصصة السياسية، ولا تولي الحقائب الوزارية، إنما لتحقيق أهداف الثورة وبناء السلام الشامل والعادل وبناء دولة المواطنة من دون إقصاء لأحد، ونفى الأنباء التي ترددت عن طلب الجبهة الثورية الحصول على نصف مقاعد مجلس الوزراء، وعضوين في المجلس السيادي، مؤكداً أن من يروجون لتلك الأحاديث هدفهم عرقلة المشاورات الجارية.
وأكد ياسر عرمان نائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان لـ«الاتحاد» وجود إرادة جديدة لإنهاء الحرب في السودان، وأن يكون السلام شاملاً، كما أكد حرص الجبهة الثورية على وحدة قوى الحرية والتغيير ووحدة الشعب السوداني، وقال إن العملية السياسية معقدة وأن مباحثات أديس أبابا تناقش قضايا عميقة، لوضع السودان ونقله إلى أعتاب وضع جديد.
وقال محمد وداعة، القيادي بقوى الحرية والتغيير لـ«الاتحاد»، إن التفاوض في أديس أبابا بين قوى التغيير والجبهة الثورية هو أمر محمود لخلق توافق حول المرسوم الدستوري ومهام الفترة الانتقالية بصفة عامة، مؤكداً أن انتهاء الحرب وتحقيق السلام لن يكتمل إلا بمشاركة الحركات المسلحة، ولكنه أشار إلى أن الجميع الآن ينتظر نتائج هذه المفاوضات سريعاً، في وقت تنشط قوى الثورة المضادة التي تعمل على إجهاض الثورة.
ونفى حزب المؤتمر السوداني ترشيح رئيسه عمر الدقير لموقع رئيس الوزراء خلال الفترة الانتقالية، وأكد أنه لن يدفع بأي من أعضائه لأي موقع في مجلس السيادة والوزراء، ودعا للنأي عن أي شكل من أشكال المحاصصات الحزبية التي قال إنها تحرف الثورة عن مسارها، وتحولها لمحض تسابق على الكراسي، وحث حلفاءه في قوى الحرية والتغيير على الإسراع بإنجاز التوافق حول مرشحيها في هياكل السلطة الانتقالية من كفاءات وطنية قوية.
وحول مباحثات أديس أبابا، قال حزب المؤتمر السوداني، إن قضايا السلام متشابكة ومعقدة، ونأمل الخروج بتصور محكم ينجز أحد أهم مهام الثورة، مشيراً إلى أن الاتفاق السياسي الذي تم توقيعه هو محض إطار عام، وحذر من أن إطالة أمد التفاوض مضر بالثورة، ويسمح للقوى المناهضة لها بتحويل مسارها وتفتيت صفها، ودعا إلى أن تكون جولة المفاوضات القادمة نهائية وقصيرة، وأن تتوحد قوى الحرية والتغيير حول رؤية تحقق مطلب السلطة المدنية الانتقالية ولا تساوم حوله.
ومن جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي السوداني صلاح الباشا لـ«الاتحاد»، إن الجيل الجديد في السودان لديه مفاهيم جديدة، وهو الذي سيقرر بشأن الوطن ولن يسمح بتقسيم المغانم. وتأسف الصحفي السوداني عمار عوض في تصريحات لـ«الاتحاد» على الخلاف حول المناصب بين الكتل السودانية، وقال إنه لو كانت اجتماعات أديس أبابا من أجل وضع برنامج وخطوط عريضة لكيفية إدارة الدولة ومجلس الوزراء بعد تسلم قوى الحرية والتغيير للسلطة أو لانتشال الوضع الاقتصادي المتردي ورفع المعاناة عن السودانيين، كان الفرق سيكون كبيراً بدلاً من أن تأتينا الأخبار أن هناك خلافاً حول تمثيل الكتل في المجلس القيادي للحرية والتغيير، أو أن الجبهة الثورية تطالب بكذا في السلطة.
وذهب أحمد السنجك القيادي بالحزب الاتحادي في تصريحات لـ«الاتحاد» إلى أن فتح منبر للحوار بين قوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية في أديس أبابا خطأ سياسي فادح، يدل على رغبة الجبهة الثورية في اقتسام السلطة، من دون مراعاة لحقوق الوطن. وأضاف: هذه محاصصة غير مقبولة، وستبعدنا عن أهدافنا الحقيقية.
وبدوره، طالب الناشط السياسي السوداني هيثم عرمان الحركات المسلحة بالنأي بنفسها عن المشاركة في السلطة التنفيذية، والاكتفاء بالمشاركة في المجلس التشريعي، كبادرة لتأسيس عهد جديد، والاستعداد للتحول للعمل السياسي. وقال: «إنه من الخطأ اختزال قضايا السلام في قضية الاستيعاب في السلطة فقط».
وقال الدكتور زهير السراج، الكاتب والمحلل السياسي السوداني، لـ«الاتحاد»، إن قوى الحرية والتغيير وقعت في مجموعة من الأخطاء المتتالية فيما يتعلق بالجبهة الثورية التي تعد إحدى مكوناتها، وإن الخطأ الأول هو تجاوزها في المراحل الأولى من التفاوض مع المجلس العسكري، ثم استعجال التوقيع المبدئي على الاتفاق السياسي، في الوقت الذي كانت تجري فيه مفاوضات بين وفد من قوى التغيير والجبهة الثورية في أديس أبابا، للتوصل إلى تفاهم مشترك حول النقاط التي يجب أن يتضمنها الاتفاق السياسي، فإذا بالكل يفاجأ بتوقيع الاتفاق في الخرطوم بالأحرف الأولى، وهل سيسمح المجلس العسكري بإدخال أي تعديل عليه لاحقاً في حال توصل قوى التغيير لاتفاق مع الجبهة الثورية.
وأضاف السراج أن الخطأ الثالث لقوى التغيير وأكثرها فداحة هو محاولة تصحيح الأخطاء السابقة وعلاج ما لا يمكن علاجه، باستمرار التفاوض مع الجبهة الثورية، في محاولة لاسترضائها على حساب التفاوض مع المجلس العسكري والتوصل معه إلى اتفاق نهائي على الوثيقة الدستورية لإنهاء الأزمة السياسية والفراغ الدستوري الذي يعيشه السودان.